هيئة الدواء المصرية تقر زيادات جديدة في أسعار عدد من الأصناف لتشجيع الشركات المصنعة على زيادة الإنتاج
خبراء: إرتفاع "الدولار" أثر سلبيًا على الشركات و رفع أسعار الدواء سيضمن استمرار الإمدادات
يشهد قطاع الأدوية في مصر ظاهرة إختفاء ملحوظ لبعض أنواع الأدوية ما تسبب في تكرار شكاوي المواطنين من عدم قدرتهم على الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه خاصة وأن هناك نقص حاد في الكثير من الأدوية الشعبية المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة .
ويرجع الكثير من الخبراء النقص في العديد من الأصناف إلي إرتفاع سعر صرف الدولار في البنوك بشكل كبير منذ مارس الماضي .
وفي خطوة هامة للحد من هذه الظاهرة ولتعزيز مقدرة الشركات على إنتاج الدواء فقد أعتمدت هيئة الدواء المصرية، خلال الأيام الماضية، زيادات جديدة في أسعار عدد من الأصناف الدوائية امتدت لتطول بعض الأدوية "الأكثر مبيعًا" في الصيدليات، بنسبة متفاوتة تراوحت بين 25 إلى ما يزيد عن 50 بالمئة من السعر الأصلي للمستحضر.
يأتي ذلك بعدما وافقت هيئة الدواء على تحريك أسعار عدد من الأدوية، بعدما تقدمت الشركات بطلبات متلاحقة على وقع قرار تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في مارس الماضي، وارتفاع تكلفة الإنتاج.
وللتعرف على الأوضاع داخل هذا القطاع الحيوي ناقشت مجلة "البوصلة" عدد من الخبراء والمختصين لرسم خريطة التوقعات لسوق الدواء في مصر .
بداية الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه تم التوصية بتشكيل لجنة تسعير الأدوية، منوهًا إلى أن تسعير الأدوية مسئولية " هيئة الدواء المصرية" والقرار الأخير الذي تم اتخاذه من خلالها برفع الأسعار كان بعد دراسة متفيضة لأوضاع السوق ، لافتاً إلي أن الهيئة لديها إدارة تسعير مُحترفة ومُتخصصة في ذلك الملف، كما أن شركات الأدوية تتقدم للهيئة بطلبات تحريك السعر أو تسعير الأدوية، مشيرًا إلى أن الهيئة لديها ما يكفي من معلومات لتحديد تكلفة كافة أنواع الأدوية والأسعار التي يتم البيع بها وتحقق نسب ربحية مقبولة للشركات .
وأوضح "عوف" في تصريحات خاصة لـ "البوصلــــــة" أن دور لجنة التسعير سيكون استشاري وليس مُلزم به، لتقوم بإعطاء التوصيات إلى الهيئة كل 6 أشهر لدراستها، لافتًا إلى أنه تم اقتراح تشكيل اللجنة نظرًا لوجود مرونة لقيمة الدولار في الفترة الحالية، مُنوهًا إلى أن التوقعات تشير بأنه قد يتراجع الدولار إلى سعر 38 جنيه مع نهاية العام الجاري ما سينعكس بدوره على انخفاض أسعار الأدوية.
وتابع أن تسعيرة الأدوية لها عدة عوامل تتم على أساسها مثل قيمة الدولار أمام الجنيه، ورواتب الموظفين ومندوبي الشركات وتمثل ما لا يقل عن 25%، وتكلفة استخدام الطاقة وتصل إلى 1%، وتكلفة المادة الخام والمواد الفعالة المُستخدمة في عملية التصنيع، والعبوات، والنشرات، وأجور التصنيع، إضافة إلى تكلفة شرائط الدواء التي تتراوح من 2 – 9 جنيه للشريط، لافتًا إلى أن هيئة الدواء تضع جميع التكاليف أمامها إضافة إلى سعر الدولار الحالي لتسعير الأدوية.
وذكر أن مصر تستورد 90% من احتياجات صناعة الدواء ما يعادل قيمة تبلغ 3 مليار دولار سنويًا، وتمثل المواد الخام من 50 – 90% في صناعة الأدوية وذلك حسب نوعية الدواء، لافتًا إلى أن حجم استيراد مصر من الأدوية جاهزة الصنع يصل إلى500 مليون دولار تقريبًا.
ونوه إلى أن إجمالي عدد أصناف الأدوية داخل مصر وصل إلى 17 ألف صنف، مشيرًا إلى أنه لا تتجاوز نسبة نقص الأدوية الحالية من 7 – 8%، كما أن إنتاج مصر يصل إلى 92% من احتياجاتها للأدوية.
وعن عمليات الغش في الدواء، نوه بأنها ظاهرة موجودة في كل دول العالم حيث تصل نسبة غش الدواء إلى 10% عالميًا، مشيرًا إلى أنه لا توجد إحصائيات بنسبة الغش المُتواجدة محليًا، ولكن الغش متواجد في مصر وفي دول العالم كافة.
وصرح بأن غش الدواء في مصر يظهر في حالة وجود نقص بالأدوية وأيضًا المُرتفع أسعارها، عن طريق مصانع غير مرخصة حيث وصفها بـ "مصانع تحت بير السلم"، موضحًا أنها تبيع الأدوية لمخازن غير مُرخصة ويتم تداولها في مناطق القرى والنجوع للبُعد عن الرقابة، لافتًا إلى أنه عند ضبط الفاعل بعمليات الغش يتم تحويله للنيابة ثم تُطبق عليه عقوبات مالية فقط.
وأشار إلى أنه يتم تخصيص أماكن بمواصفات وجودة عالية لتخزين المواد الخام في الموانيء الجمركية بدرجات رطوبة وحرارة معينة لعدم الضرر بالمادة الخام، لافتًا إلى أن مصر بدأت بالدخول في إنشاء موانيء جافة تابعة للجمارك مصممة على أحدث مستوى كما يتم تبليغ شركات الأدوية المصرية للشحن على تلك الموانئ، مشيرًا إلى أن بعض من المواد الخام يتم التنبيه بشأنها من خلال الشركات المُصدرة لمعرفة المواصفات وظروف التخزين خاصتها ليتم تخزينها في الثلاجات عند وصولها.
ونصح المواطن عند العثور على أي اختلاف في الأدوية بالنسبة للأمراض المُزمنة سواء كان في شكله أو لونه أو رائحته، فيجب الرجوع به فورًا إلى الصيدلي، كما شدد على حرص المواطن من الصيدليات التي تمنح خصومات على أسعار الأدوية، مشددًا على أهمية التأكد من مصادرها، مؤكدًا أن أكثر الأدوية المغشوشة داخل الصيدليات المُعلنة عن خصومات في أسعارها.
وأفاد بأنه قامت هيئة الدواء بوضع قواعد لتداول المضادات الحيوية، مشيرًا إلى أن العملية الصحيحة التي يتم من خلالها تصنيع الدواء بالمادة الفعالة عبر عدم تقليل أو رفع تركيزات المادة في الأدوية حيث يتم تحليلها وتفتيشها في المعامل الخاصة بهيئة الدواء، لافتًا إلى أنه إذا كانت المادة غير مطابقة للمواصفات سيتم حظرها من التداول داخل الأسواق.
وقال محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، إن قطاع الدواء في إشكالية مُنذ عامين نتيجة الأزمات الاقتصادية شديدة الوطأة، حيث تبعها أزمات في صناعات كثيرة وأهمها صناعة الدواء نظرًا لأنها من الصناعات الاستراتيجية الحياوية، لافتًا إلى أنه للمرة الأولى في تاريخ مصر بدأت تختفي أصناف الأدوية المستوردة ثم الأصناف المنقذة للحياة ثم أصناف الأمراض المُزمنة، وأيضُا أصناف اللوكل المحلية لأمراض البرد والكحة وخافض الحرارة الفوارات والقطرات الطبية.
وتابع أنه توصلت غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية مع الحكومة لفتح اعتمادات بنكية لبدء عملية استيراد المواد الخام لدى الشركات، مؤكدًا أن مصر تَمُر بإشكالية حقيقية في صناعة الدواء نتيجة لاستيرادها 90% من المادة الخام كما أن الدواء ضمن السلع المُسعرة جبريًا، لافتًا إلى أنه تسعيرة الأدوية تحركت عقب قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 بقرار وزير الصحة والسكان رقم 23 في يناير 2017، حيث ارتفعت أسعار 3010 صنف دواء بنسبة تتراوح من 30 – 50% حسب الأنواع.
وأوضح أنه عقب قرار تحرير سعر الصرف في مارس الماضي تسبب في إشكالية كبيرة لدى الشركات المُصنعة للدواء، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة في عملية البيع على تسعيرة الدواء القديمة، ما أدى إلى عزوف الشركات عن استيراد المواد الفعالة، واستغناء بعض شركات الأدوية عن العمالة خاصتها مثل شركة "سيجما"، وخروج شركتين أجنبيتين تختص بصناعة القطرات الطبية من مصر إلى دبي.
وأشار إلى أن قرار وزارة الصحة بصرف دواء واحد مجاني داخل المستشفيات أدى إلى قلق المواطن، ولكن تدخلت الحكومة عبر مفاوضات جادة مع شركات الأدوية التي قدمت 3 آلاف صنف دواء لزيادة أسعارها، وتوصلت الحكومة في نهاية المطاف إلى زيادة أسعار من 700 – 1000 صنف، ومن ضمن الاتفاقيات سيتم ارتفاع أسعار حزمة جديدة من الأدوية شهريًا حتى نهاية شهر ديسمبر 2024، وزيادة أصناف الأدوية المُزمنة بنسبة تقارب الـ 35%، وأدوية أخرى بـ 45%.
ولفت إلى أن 63% من الشعب المصري لديهم تأمين صحي، وعلى الجانب الآخر ما يقرب من 35 مليون مواطن لا يمتلك أي واجهة تأمين صحي وهم الفئات الأشد احتياجًا نظرًا لعدم امتلاكهم مرتب شهري ثابت مما يثقل عليهم عبء في ارتفاع قيمة روشتة الدواء لديهم.
وعبر عن آماله نحو عدم تكرار نهج عام 2017 والعام الجاري، مشيرًا إلى أنه تحركت أسعار 3500 صنف دواء خلال الفترة من يناير 2022 حتى ديسمبر 2023، وذلك عن طريق دراسات الجدوى المُقدمة من شركات الأدوية إلى لجنة إعادة تسعير الأدوية الخاصة بهيئة الدواء وهى لجنة موجودة في وزارة الصحة مُنذ الخمسينيات، ولكن كانت تتخذ بأقصى حد 20 أو 30 قرارًا يختص بتسعيرة الأدوية في العام الواحد.
ونوه إلى أنه أثر نقص حقنة اندوكسان على استمرار جلسات العلاج الكيماوي، حيث تبحث عنها المعاهد القومية والتعليمية، والمستشفيات والعيادات نتيجة لأهمية استخدامها أثناء الجلسات، كما يوجد نقص في دواء كونسيرتا للشهر الرابع على التوالي وهو علاج لمرض يدعى "فرط الحركة" لشريحة تصل إلى 50 ألف مريض والبعض منهم طلاب بالثانوية العامة.
وأفاد أن أثر الحروب القائمة والأوبئة المنشرة سابقًا ظهرت في التعاملات المالية بين البلاد، لافتًا إلى أنه عقب وباء كوفيد 19 أصبح تعامل الشركات العالمية كاعمل تجاري فقط إضافة إلى أهمية التصنيف الائتماني للدولة للتعامل مع البنوك والشركات العالمية.
وذكر أن غش الدواء جريمة دولية في العالم كافة بسبب أرباحها الخيالية، موضحًا أن انتشارها بسبب قوانين التجارة الحرة بين البلاد وتسهيلات الجمارك، وللإنترنت دور كبير في عمليات بيع الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعدم معرفة مصدرها الحقيقي وقد يكون دواء تم تخزينة لمدة طويلة.
وتابع أن دور الرقابة مهم جدًا على الأدوية ويجب أن تكون رقابة سابقة وليست لاحقة، حيث تعلن هيئة الدواء عن أسماء الأدوية المغشوشة عبر المواقع الإلكترونية، ولكن ذلك عقب موافقة الهيئة مؤخرًا على توزيعها، وتساءل عن كيفية تجميع الأدوية المُعلن عنها عقب اكتشافها، وهل يتم الاكتفاء بالإعلان عنها فقط، حيث يجب الرجوع لشركات التوزيع لحصر وتجميع كافة الأدوية الغير مطابقة، مشيرًا إلى أنه سيظل سوق الغش نشط ومُزدهر نتيجة سرعة أرباحه وعدم توافر أصناف الدواء في السوق الرسمي.
ذلك قال الدكتور محمد عبد الهادي الخبير الاقتصادي، إن مصر عانت خلال الفترة الماضية من فجوة بالنقد الأجنبي قُدرت بـ 100 مليار دولارًا، وترتب على ذلك تأثيرًا سلبيًا لمجموعة من القطاعات الأساسية وأهمها قطاع الأدوية نتيجة زيادة الطلب على الدواء في ظل ارتفاع قيمة الدولار إلى 70 جنيهًا بالسوق الموازية.
أضاف، كانت تضع اللجنة الخاصة بالبنك المركزي والدولة قرارات تختص بالمعايير والشروط من أهمها البُعد الاجتماعي الخاص بعدم رفع أسعار الدواء، وذلك ساهم في ضغوط كبيرة على شركات الأدوية نتيجة التزامها بأسعار مُحددة وفقًا لسعر الدولار داخل البنوك، لافتًا إلى أن شركات الأدوية في القطاع الخاص اضطرت لتوفير مُستلزمات انتاجها بالسعر الرسمي 31 جنيهًا للدولار ثم استكملت احتياجاتها من خلال السوق الموازية بسعر يتراوح ما بين 50 – 70 جنيهًا للدولار، ما أدى إلى توقف استيراد السلع الأجنبية لدى بعض الشركات.
وتابع أن الدولة توفر 90% من الأدوية عن طريق المصانع المحلية، ولكن انعدمت قدرة الشركات على توفير الأدوية المستوردة وتمثل نسبة 10% تقريبًا، مشيرًا إلى أنه كانت لشركات الأدوية قدرة توفير المنتج المستورد في ظل وجود السعر الرسمي 31 جنيهًا للدولار، ولكن مع قرار تحريك سعر الصرف وتركه إلى آلية العرض والطلب خلال شهر مارس الماضي ارتفع الدولار ليسجل 48 جنيه، ما أدى إلى صعوبة الأمر لدى الشركات خاصة في توفير الأدوية بسعر الدولار الحالي بجانب التزاماتها بوضع معايير البُعد الاجتماعي.
وأوضح أن ذلك الأمر تسبب في ترك البضائع خاصتها من المواد الخام في الموانيء الجمركية، لعدم توافر السيولة الدولارية، منوهًا إلى اجتماع شركات الأدوية مع الغرفة التجارية للوصول إلى حل أمثل بتشكيل لجنة تسعير الأدوية إضافة إلى مراقبتها لأسعار الأدوية كل 6 أشهر.
وأفاد أن تشكيل لجنة التسعير لها مُميزات في توافر الأدوية في الصيدليات، وتسعير الأدوية وفقًا لسعر الصرف الحقيقي، وعدم وجود أزمات لشركات الأدوية حيث عانت بسبب تغير سعر الصرف وزيادة التكاليف الخاصة بها، ويترتب على ذلك وجود توازن بين أسعار الدواء وشركات الأدوية والدولة والمواطن، وهى لجنة تشبه لـ لجنة تسعير البنزين.