ما هي أسباب ارتفاع الوفيات بين الحجاج المصريين؟.. "سوء التنظيم" أم "مخالفة الشروط"
سحب رخص 16 شركة تحايلت لتسفير الحجاج المصريين بطرق غير شرعية وإحالتها للنيابة العامة
المُعاقبة الجنائية للشركات المخالفة و إلزامها بدفع تعويضات لأهالي المتوفين أبرز المطالب لمنع تكرار الكارثة
لجنة الشئون الدينية بالنواب: دماء الحجاج المصريين المتوفين في أعناقنا جميعًا
أثارت وفاة مئات الحجاج المصريين خلال موسم الحج هذا العام الكثير من الحزن والألم لأهالي وذوي المتوفين أثناء تأدية تلك الفريضة التى يشتاق إليها الجميع، و ما بين الإتهامات باستغلال بعض الشركات غير المُلتزمة وبعض ضعاف النفوس من السماسرة للمُتاجرة بالحج وإيهام بعض المواطنين بتوفير تأشيرة بأسعار تقل للنصف عن السعر الحقيقي، كانت هناك اتهامات بسوء التنظيم لموسم الحج، وأيضًا تحميل المسئولية لبعض الحجاج بسبب مخالفتهم شروط الحج وعدم الحصول على تأشيرة رسمية تمكنهم من أداء الفريضة و إستغلالهم تأشيرات الزيارة والسياحة و الإختباء من السلطات السعودية..
الأحداث المُتتالية والإرتفاع المُستمر في أعداد الوفيات والمفقودين والذي تجاوز حاجز الـ 600 وفاة حتى كتابة هذا التقرير دفع الحكومة المصرية إلى تشكيل خلية برئاسة رئيس الوزراء وفقًا لتعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسي لمُتابعة الأزمة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين.
وكانت أولى القرارات التي أتخذها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي تكليفه وزارة السياحة بسحب رخص 16 شركة سياحة تحايلت لتسفير الحجاج بصورة غير نظامية وإحالة مسئوليها للنيابة العامة".
وتضمن تقرير توصيات خلية أزمة الحج قيام وزارة العدل المصرية بالنظر في إمكانية سداد شركات السياحة المتورطة غرامات لصالح أسر ضحايا الحج غير النظامي، مع إحالة الواقعة إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
كما تضمنت التوصيات التنسيق مع الجانب السعودي لإجراء تحاليل DNA للمتوفين مجهولي الهوية حتى يتم مطابقتها مع أسرهم داخل البلاد، وقيام وزارة الصحة المصرية بالتنسيق مع نظيرتها السعودية لمُتابعة الحالات المرضية بالمُستشفيات المختلفة، وبحث إمكانية إعادتهم حال استقرار حالتهم الصحية.
وأكد رئيس الوزراء، أنه سيتم فتح تحقيق مع أى شركة نظمت سفر هؤلاء الحجاج المتوفين، بعيدًا عن الأطر النظامية، و تحايلت لتنظيم السفر للضحايا بصورة غير رسمية، ولم توفر لهم الخدمات اللوجستية.
واختتم: «سيتم اتخاذ قرارات حاسمة، وتوقيع أشد العقوبات، التى تسهم فى عدم تكرار هذه المخالفات مرة أخرى».
وفي ذلك تحدثت مجلة "البوصلة الاقتصادية" مع العديد من المسئولين وذوي الشأن وبعض من قاموا بتأدية الحج بتأشيرة غير رسمية للتعرف منهم على حقيقة ما حدث ومن المُتسبب في تلك الكارثة وما سيتم إتخاذه من قرارات حتى لا تتكرر مستقبلًا..
بداية قال محمد مصطفي مدير السياحة الدينية بأحدى شركات السياحة، أن السبب الرئيسي الذى أدى إلى ارتفاع حالات وفاة الحجاج المصريين غير المُسجلين يرجع إلى قيام بعض شركات السياحة بتنظيم برامج حج بتأشيرة زيارة شخصية، مما يمنع حامليها من دخول الحرم المكي أثناء موسم الحج، ولكن يتم التحايل على ذلك عبر التهرب داخل دروب صحراوية سيرًا على الأقدام في كثير من الأحيان و إخفائهم في شقق سكنية في عدة أماكن أبرزها حي العزيزية، ولكن في ظل وجود تشديدات من السلطات السعودية و تغليظ العقوبات على المخالفين ومن يقوم بمساعدتهم لم تجد تلك الشركات المُخالفة وسيلة لنقل الحجاج إلى المشاعر، وتم توجيه تلك الأعداد الكبيرة من الحجاج إلة السير عبر طرق غير ممهدة للوصول إلى جبل عرفات في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة التي وصلت لما يزيد عن 50 درجة مع عدم توفير أماكن إقامة بباقي المشاعر؛ مما تسبب في تعرض الحجاج غير المُسجلين للإجهاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتعرض العديد منهم للإصابة والوفاة بسبب عدم وجود أي خدمات صحية مُقدمة لهم ورفض السلطات التعامل مع المخالفين، مشيرًا إلى إنه كان هناك حالة من الإستغلال الكبير من قبل الشركات المخالفة لرغبة فئة كبيرة من البسطاء لأداء مناسك الحج مع إقناعهم بسهولة الأمر وتوفير الخدمات لهم وهو ما لم يحدث ما أدى إلى تفاقم الأوضاع خاصة وأن الغالبية العظمى من هؤلاء المُغرر بهم لا يمتلكون أي خبرة في التعامل مع تلك الأوضاع الصعبة، بل أن كثيرون منهم لم يسافروا من قبل للخارج ما أدى إلى كثرة حالات الفقد وعدم القدرة على العودة إلى أماكن السفر.
وكشف الدكتور إيهاب المليجي، عضو الجمعية العمومية لغرفة شركات السياحة، أن الغالبية العظمى من الوفيات حدثت خارج منظومة الشركات السياحية النظامية، وأن الحجاج الذين سافروا بتأشيرات زيارة تعرضوا لمخاطر كبيرة بسبب عدم وجود تنظيم أو خدمات صحية كافية، لافتًا إلى أن رحلة الحج بشكل عام مُرهقة و مُجهدة حتى لمن يقوم بها بشكل نظامي، وبالتالي فإن القيام بها بشكل غير رسمي يُعد مخاطرة كبيرة.
وقال عدد من الأفراد ممن قاموا بتأدية الحج عن طريق تأشيرة الزيارة، إنهم اضطروا للمشي لمدة تزيد عن الـ 12 ساعة منذ فجر يوم عرفة -تخللها استراحات طويلة- من مقر إقامتهم في حي العزيزية وسط مكة إلى جبل عرفات، لأداء الركن الأعظم في الحج في ظل عدم وجود أي وسيلة تنقل لهم، مؤكدين إنه كان هناك العشرات ممن تعرضوا للإجهاد الحراري ولم يستطيعوا إكمال الطريق ومنهم من حاول الإتصال بالإسعاف ولكنه لم يأتي، وغيرهم خاف من الإتصال بالإسعاف لأنهم مُخالفين، وخوفًا من تعرضهم للمنع والترحيل.
وقال البعض ممن إستطاع أن يصل أن مسجد نمرة كان بمثابة الملاذ لـ الآلاف من حجاج الزيارة، للإحتماء من حرارة الشمس، حيث أنهم ليس لهم أي مكان للإقامة داخل جبل عرفات مضيفين أن الوضع بنهاية يوم عرفة كان أكثر صعوبة حيث تراكم التعب عليهم وكان يجب عليهم مواصلة الرحلة إلى المزدلفة لجمع الجمرات ثم الذهاب إلى مشعر منى لرمي الجمرات وهي الرحلة التي لم يستطع الكثيرون مواصلتها ليقعوا بين مُصاب وفاقد للحياة.
وتقول إحدى المُشاركات في الحج بدون تصريح، في العام الماضي جائت أختى للحج بنفس الطريقة ولكن كان الوضع مختلف بشكل كبير حيث كانت المواصلات متوفرة للحجيج خارج الحملة الرسمية، لكن هذا العام كان الوضع مختلف وكانت هناك تعليمات رسمية لمنع الخدمات عن الحجيج غير النظاميين هذا العام".
وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أكدت قبل موسم الحج أنها ستقوم بتطبيق العقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج، في حملة استمرت من الثاني من يونيو وحتى العشرين من الشهر نفسه.
وتُطبق العقوبة على من يتم ضبطهم دون تصريح حج داخل مدينة مكة، والمنطقة المركزية، والمشاعر المقدسة، ومحطة قطار الحرمين بالرصيفة، ومراكز الضبط الأمني، ومراكز الفرز ومراكز الضبط الأمني المؤقتة.
ودعت وزارة الداخلية السعودية جميع المواطنين والوافدين إلى التقيد والإلتزام بأنظمة وتعليمات الحج "لينعم ضيوف الرحمن في أداء نسكهم بالأمن والأمان والراحة والطمأنينة".
وطالب النائب مصطفى بكري، الحكومة بتوضيح الأسباب التي تقف وراء سقوط وفيات من الحجاج المصريين بموسم الحج 2024 والإجراءات التي ستقوم بها الدولة لمواجهة هذا الأمر.
وأكد إنه تقدم ببيان عاجل إلى الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء المُكلف و إلى وزراء الخارجية والهجرة والسياحة، حول الأسباب التي أدت إلى وفاة وفقدان المئات من المصريين في موسم الحج للعام الحالي والإجراءات التي اتخذتها الحكومة في مواجهة هذا الحدث الجلل الذي يُعد كارثة كبرى أصابت جميع المصريين بحالة من الحزن والصدمة، موضحًا أنه طلب من الحكومة أن تبلغ المجلس والرأي العام بالإجراءات التي ستتخذها لمنع تكرار مثل هذا الحدث مرة أخرى.
وقالت النائبة نورا علي، رئيسة لجنة السياحة بمجلس النواب، أن هناك العديد من الشركات والسماسرة المتخصصين في الحج غير النظامي يستغلون رغبة البسطاء في أداء فريضة الحج، لتحقيق منافع شخصية مؤكدة: "هناك سماسرة يستغلون شغف المصريين لأداء الفريضة".
وأضافت أن البرلمان سيقوم بدارسة الأزمة بشكل متكامل قبل إصدار حزمة جديدة من التشريعات للقضاء على تلك الظاهرة ومُعاقبة كافة المسئولين عنها بما يضمن عدم تكرارها مجددًا.
وقال النائب وجيه أباظة، عضو مجلس النواب، إنه تقدم بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء و وزيرَي السياحة والهجرة؛ لتوضيح الحقائق حول أزمة فقدان الحجاج المصريين ووفاة عدد منهم خلال أداء مناسك الحج، مطالبًا بحضور وزير السياحة وكل الأطراف أمام مجلس النواب؛ لضمان عدم تكرار الأزمة.
وتساءل عن كيفية حصول هؤلاء السماسرة على تأشيرات الزيارة، مشددًا على ضرورة تكثيف التعاون مع وزارتَي الحج والخارجية السعوديتَين؛ لمنع تكرار مثل تلك الحوادث وضمان سلامة الحجاج المصريين.
وأكد النائب أنه لا بد من التشديد على توحيد وسيلة الحج من خلال بوابة الحج؛ للحفاظ على حقوق وأرواح الحجاج وحمايتهم وضمان سلامتهم في الأراضي المقدسة، وحمايتهم من السماسرة والكيانات والشركات الوهمية التي تستغل عواطف المواطنين وارتفاع أسعار الحج والتلاعب عبر طرق غير شرعية ومن خلال حج بتأشيرة الزيارة بأسعار أقل كثيرًا من الحج الرسمي؛ مما يعرض هؤلاء لظروف قاسية.
وقال "أباظة" إن الدولة من واجبها حماية المصريين من الشركات الوهمية ومحاسبة هؤلاء وتطبيق عقوبات قاسية و رادعة؛ ضمانًا لعدم تكرار مثل هذه الحالات التي تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة مع ضرورة وجود رقابة صارمة.
ومن ناحية أخرى نعت لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب الحجاج الذين وافتهم المنية أثناء تأدية مناسك الحج عام 1445 هـ، وتحتسبهم عند الله شهداء، كما تقدمت بخالص التعازي لأسر الحجيج، قائلة: نسأل الله تعالى لهم الصبر والسلوان.
وطالبت اللجنة في بيان لها، الجهات المعنية المختلفة المسئولة عن تنظيم رحلات الحج بالتحقيق فى وفاة هذا العدد الكبير من الحجاج المصريين وبيان أسباب ذلك وتحديد المسئولين عن هذه الواقعة؛ لإتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلًا.
كما طالبت لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، الوزارات المعنية وسفارة جمهورية مصر العربية بالمملكة العربية السعودية بتقديم أوجه الرعاية اللازمة للمصابين بالمستشفيات، وإجراء حصر دقيق بأعداد الحجاج المتوفين والمفقودين والتنسيق مع ذويهم فى هذا الشأن.
وتابعت: إن اللجنة بصدد إعداد اجتماعات موسعة لمناقشة الجهات المعنية عن حج هذا العام لإستيضاح الأسباب الحقيقية عن وقوع تلك الوفيات.