"معهد المحاصيل الحقلية": أصناف جديدة وتقنيات حديثة لتحقيق قفزة فى إنتاج القمح
"جمعية الأراضى المستصلحة": نستهدف إنتاج 10 ملايين طن قمح فى موسم 2025/2026
"الإرشاد الزراعى": خطة جديدة لتوزيع أصناف القمح وفق المناطق الجغرافية
"خبير اقتصادى": رفع سعر التوريد خطوة مهمة لكن الفلاح يواجه أعباء مرتفعة وتحديات فى التوريد
مع اقتراب موسم زراعة القمح الجديد 2025/2026، تكثف الدولة المصرية جهودها لتحقيق طفرة في إنتاج المحصول الاستراتيجي، عبر خطة متكاملة تستهدف التوسع في المساحات المنزرعة، ورفع إنتاجية الفدان، وتوفير أصناف عالية الجودة مقاومة للتغيرات المناخية، وتراهن وزارة الزراعة على الحوافز الحكومية المقدمة للمزارعين، وفي مقدمتها رفع سعر توريد الأردب إلى 2350 جنيهًا، بجانب التوسع في تطبيق الممارسات الزراعية الحديثة ونظم الري الموفرة للمياه، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ولرصد ملامح خطة الدولة واستعداداتها للموسم الجديد، تواصلت مجلة "البوصلة الاقتصادية" مع عدد من الخبراء والمسؤولين في قطاع الزراعة، للوقوف على تفاصيل السياسة الصنفية، ومستهدفات الإنتاج، وأبرز التحديات التي تواجه المزارعين وسبل معالجتها.
بداية، أكد الدكتور خالد جاد، وكيل معهد المحاصيل الحقلية بوزارة الزراعة، أن الوزارة وضعت خطة طموحة لموسم القمح الجديد 2025/2026، تستهدف زراعة نحو 3.5 ملايين فدان من المحصول الاستراتيجي، مع رفع الإنتاجية الكلية لتتجاوز 10 ملايين طن، مقارنة بنحو 9.5 ملايين طن في الموسم الماضي.
وأوضح أن الهدف لا يقتصر على زيادة المساحات، بل يمتد إلى تحسين إنتاجية الفدان الواحد لتتجاوز 19.5 إردب، من خلال تعميم الممارسات الزراعية الحديثة وتوسيع نطاق الحقول الإرشادية التي ارتفع عددها هذا العام إلى 8 آلاف حقل على مستوى الجمهورية، لنقل التجارب الناجحة إلى المزارعين وتحسين جودة الإنتاج.
وأشار إلى أن الوزارة حددت سعر توريد القمح عند 2350 جنيهًا للأردب، وهو سعر محفز يهدف إلى تشجيع المزارعين على التوسع في الزراعة وزيادة الإنتاج المحلي، لافتًا إلى أن تقاوي القمح متوفرة بأسعار مدعومة تباع بسعر التكلفة، إلى جانب توفير المعدات والميكنة الزراعية بأسعار تنافسية لتقليل أعباء الزراعة على الفلاحين.
وفي سياق رفع الكفاءة الإنتاجية، كشف وكيل معهد المحاصيل الحقلية عن إدخال خمسة أصناف جديدة من القمح هذا الموسم، تشمل "(مصر 5، 6، 7)، سخا 97، وسوهاج 6"، موضحًا أن هذه الأصناف تتميز بقدرتها العالية على مقاومة التغيرات المناخية وتحمل الجفاف، ما يسهم في تحقيق استقرار الإنتاج وجودة المحصول.
وأضاف أن هناك أربعة أصناف جديدة أخرى قيد التسجيل تمهيدًا لطرحها في الموسم المقبل، في إطار خطة الوزارة لتطوير الأصناف بما يتماشى مع المتغيرات البيئية.
وأوضح أن الوزارة تبنت تطبيق نظام التسوية بالليزر في الأراضي الزراعية لتوزيع مياه الري بشكل منتظم، مما يقلل من كميات المياه المستخدمة ويحسن كفاءة الري، إلى جانب التوسع في الزراعة على المصاطب التي تساهم في خفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 20% وتقليل كميات التقاوي بنسبة 30%، مع رفع الإنتاجية النهائية للفدان.
وأكد أن هذه الممارسات الزراعية المتكاملة تعد من أهم ركائز تحقيق الأمن الغذائي، إذ تسهم في رفع إنتاجية الأرض والمياه وتعزيز استدامة الموارد الزراعية في ظل التغيرات المناخية، مشيرًا إلى أن هذه التغيرات تمثل أبرز التحديات التي تواجه زراعة القمح، إلا أن الأصناف الجديدة المطروحة أثبتت قدرة عالية على التكيف مع الظروف البيئية المتقلبة، بما يضمن استقرار الإنتاج وتحقيق الاكتفاء المحلي من هذا المحصول الاستراتيجي.
وفي سياق متصل أكد عبد الفتاح سراج الدين، رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة للأراضي المستصلحة، أن وزارة الزراعة تستهدف هذا الموسم زراعة نحو 3.6 مليون فدان من القمح، مقابل 3.4 مليون فدان العام الماضي، بما يسهم في إنتاج نحو 10 ملايين طن من القمح المحلي، بزيادة تتراوح بين 3 إلى 5% مقارنة بالموسم السابق.
وأشار إلى أن الدولة وفرت للمزارعين حزمة دعم متكاملة تشمل الأسمدة المدعمة بأسعار مناسبة، والتقاوي المعتمدة عالية الإنتاجية والمقاومة للأمراض، وتوفير الخدمات الإرشادية والتوعية بأهمية اتباع السياسة الصنفية وفق نوع التربة والظروف المناخية بكل منطقة.
وأضاف أن الإعلان المبكر عن سعر توريد القمح للموسم الجديد عند 2350 جنيهًا للأردب بدرجة نظافة 23.5، وهو سعر يفوق السعر العالمي، جاء لضمان اطمئنان المزارعين وتحفيزهم على التوسع في الزراعة وتحقيق عائد مجزي ومستقر.
وأشار إلى أن مشروعات الاستصلاح القومية الكبرى مثل الدلتا الجديدة وتوشكى تمثل ركيزة أساسية لزيادة الإنتاج المحلي، موضحًا أن هذه المشروعات أضافت نحو 150 ألف فدان جديدة للزراعة هذا العام، وهو ما يدعم جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد بنسبة تقارب 10%.
كما لفت إلى أن توشكى تستهدف زراعة 750 ألف فدان، بينما يسهم مشروع الدلتا الجديدة في استصلاح 400 ألف فدان إضافية، إلى جانب توسعات شرق العوينات والفرافرة التي تطبق نظم الري الحديثة لتقليل الفاقد في المياه.
وأكد أن محدودية الموارد المائية والتغيرات المناخية تمثلان أبرز التحديات التي تواجه زراعة القمح في مصر، حيث تعتمد المحاصيل على كميات كبيرة من المياه في ظل عجز مائي متزايد وتراجع نصيب الفرد عن خط الفقر المائي العالمي.
وأشار إلى أن موجات الحر والجفاف وارتفاع درجات الحرارة تؤثر على الإنتاجية وجودة التربة، مؤكدًا أن التعاون بين مراكز البحوث الزراعية ووزارة الزراعة أتاح استنباط أصناف جديدة مقاومة للتغيرات المناخية، ما ساهم في رفع متوسط إنتاجية الفدان إلى نحو 20 إردبًا.
وأضاف أن المشروع القومي للصوامع يعد من أهم ركائز منظومة القمح الجديدة، إذ ساعد في رفع السعة التخزينية للأقماح من 1.2 مليون طن قبل 2014 إلى نحو 5 ملايين طن حاليًا، بفضل إنشاء أكثر من 80 صومعة حديثة موزعة على محافظات الجمهورية.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ساهمت في تقليل الفاقد الذي كان يصل إلى 15% من المحصول قبل تنفيذ المشروع. وأوضح أن جهود الدولة المصرية نجحت في خفض واردات القمح بنسبة 31% خلال العام الجاري، حيث تراجعت الواردات إلى 4.9 مليون طن مقابل 7.1 مليون طن العام الماضي، مما وفر مليارات الدولارات من النقد الأجنبي.
وفي ذات السياق أعلن الدكتور محمود عتمان، رئيس بحوث متفرغ بمعهد بحوث الإرشاد الزراعي، عن صدور التوصيات الخاصة بالسياسة الصنفية لمحصول القمح لموسم 2025/2026، والتي تهدف إلى تحقيق أعلى إنتاجية من وحدتي الأرض والمياه، والتوسع في الأصناف الأكثر ملاءمة للظروف المناخية بكل منطقة.
وأوضح "عتمان" أن السياسة الصنفية تم تقسيمها وفقًا للمناطق الجغرافية المختلفة، لضمان تحقيق أفضل إنتاجية وجودة حبوب.
وأكد أن تطبيق هذه السياسة الصنفية الموحدة يأتي ضمن خطة الدولة لزيادة إنتاج القمح وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، من خلال توفير التقاوي المعتمدة عالية الجودة الملائمة لكل منطقة مناخية، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.
وفي نفس الإطار قال الدكتور خيري العشماوي، أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، إن التيسيرات الحكومية المقدمة للمزارعين خلال الفترة الأخيرة يمكن أن تسهم في زيادة إنتاج القمح، مشيرًا إلى أن رفع سعر توريد الأردب يعد حافزًا مباشرًا لتشجيع الفلاحين على التوسع في زراعته، ما ينعكس إيجابًا على حجم الإنتاجية.
وأوضح أن زيادة الإنتاج لا تتوقف على التسعير فقط، بل تحتاج إلى حزمة من الإجراءات لمعالجة المشكلات الميدانية التي تواجه المزارعين، وعلى رأسها ارتفاع تكاليف الإنتاج، مضيفًا أن الفلاح لا يستطيع تحمل الأعباء المالية المرتفعة، ويعجز عن شراء تقاوي الأصناف عالية الإنتاجية من وزارة الزراعة، فيلجأ إلى استخدام تقاوي قديمة أقل تكلفة، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الفدان.
وأشار إلى مشكلة أخرى تتعلق بآليات توريد القمح، موضحًا أن كثيرًا من الفلاحين لا يتمكنون من توريد إنتاجهم مباشرة إلى الشون التابعة لوزارة الزراعة، ويضطرون للتعامل عبر تجار وسطاء يحصلون على نسبة من ثمن الأردب، وهو ما يقلل من هامش ربح المزارع.
وأكد أن تحقيق هدف الدولة بزيادة إنتاج القمح يتطلب موازنة عادلة بين تكلفة الإنتاج والعائد للفلاح، إلى جانب تبسيط منظومة التوريد وضمان وصول الدعم والتسهيلات مباشرة إلى المنتجين.