هناك صعوبات في إيجاد شركاء مُستعدين لتبادل السلع بإستخدام الجنيه
تطبيق التدويل يحتاج لتحول تدريجي لضمان الاستقرار المالي للدولة
دول الخليج قد تستفيد من تدويل الجنيه المصري
تدويل العُملة يحتاج لاقتصاد قوي وثقة في الاستقرار المالي للدولة
الفكرة لن تلقـى دعم من قبل الدول الأخرى
جددت المُطالبات المستمرة من البنك الدولي وصندوق النقد بخفض قيمة الجنيه وتأثيره السلبي على الوضع الاقتصادي المصري فكرة إمكانية تدويل الجنيه المصري بحيث يصبح عملة متاحة عالميا في التبادل التجاري .
وأوضح عدد من الخبراء أن تدويل العُملة المحلية قد يكون طوق نجاة يحول دون انهيار الاقتصاد المصري، إلا أن الفكرة صعبة التطبيق نظرًا لضعف اقتصاد الدولة، ولأن اعتماد وتدويل العُملات يحتاج لاقتصاد قوي، كما أننا قد نجد صعوبات في إيجاد شركاء على استعداد لتبادل السلع بالجنيه المصري، نظرًا لضعف الثقة في الاستقرار المالي والنقدي للدولة، وكذلك بسبب أن هناك عجز كبير في الميزان التجاري لمصر حيث نستورد من الخارج أكثر مما تصدره.
كما تباينت الآراء ما بين التفاؤل بإمكانية التطبيق و توقعات بصعوبة تنفيذ هذه الفكرة أو استحالة تطبيقها، وفي هذا التقرير ترصد مجلة البوصلة الاقتصادية آراء بعض الخبراء للوقوف على أسباب صعوبة تدويل واعتماد الجنيه المصري دوليًا،،،،
في ذلك الإطار قال الدكتور هاني أبو الفتوح الخبير الإقتصادي، أنه يمكن لدولة مثل مصر أن تدوّل عُملتها المحلية، وقد قامت العديد من الدول بذلك في الماضي والحاضر، مثل الهند وتركيا والبرازيل والصين وروسيا ، وأن تدويل العُملة المحلية يمكن أن يعزز من فرص التجارة الخارجية والاستثمار وتعزيز الاستقلالية المالية للدولة، ولكن بالرغم من ذلك، فإن تدويل العملة المحلية يتطلب مستوى كبير من الإستقرار الإقتصادي والمالي في الدولة ، بالإضافة إلى التحكم في التضخم والحفاظ على سياسات مالية ونقدية متوازنة ومستدامة، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة من الحكومة والمؤسسات المالية في الدولة.
وأوضح، إذا تم تدويل الجنيه المصري ، يمكن أن يُحد ذلك من الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، وقد يترتب على ذلك تحجيم الطلب على الدولار وتقليل الحاجة إليه كوسيلة للتجارة والإستثمار، موضحًا أنه يجب أن يتم هذا التحول بشكل تدريجي ومنظم، وأن يتم تأمين الاستقرار المالي والنقدي في الدولة لتجنب أية آثار سلبية على الإقتصاد والتجارة، كما يجب أن يتم تحقيق التوازن في العلاقات التجارية مع الدول الأخرى، مع الأخذ في الإعتبار أن الدولار الأمريكي لا يزال يُعد العملة الرئيسية في التجارة الدولية، وأن معظم الدول لا تزال تحتفظ به كمكون رئيسي في الاحتياطي النقدي الأجنبي ، لذلك لا يتوقع أن يمكن تحجيمه تمامًا في المستقبل القريب.
ولفت "أبو الفتوح"، أن هناك أثار سلبية أيضًا قد تعود على مصر في حال تدويل الجنيه المصري، إذ أنه من المحتمل أن يواجه التبادل التجاري بالجنيه المصري بعض العوائق، مثل عدم الثقة في الاستقرار المالي والنقدي للدولة من جانب شركاء التبادل التجاري، وانعدام التشجيع من قبل الدول الأخرى للإستيراد والتصدير بإستخدام الجنيه المصري، حيث يمكن أن تواجه الشركات والمصدرون صعوبات في إيجاد شركاء تجاريين مستعدين لتبادل السلع بإستخدام الجنيه المصري.
من ناحية أخرى، قد نواجه صعوبات بالقيود الحكومية والجمركية على التجارة بإستخدام الجنيه المصري، والتي يمكن أن تزيد من تعقيدات العمليات التجارية، كذلك عدم توافر البنية التحتية اللازمة لدعم التجارة بإستخدام الجنيه المصري، مثل وجود نظام مصرفي يمكنه التعامل مع الجنيه المصري وتوفير خدمات التحويلات البنكية.
لافتًا، أن هناك دول قد تستفيد من تدويل الجنيه المصري في التجارة والعلاقات الإقتصادية، ومن بين هذه الدول دول الخليج العربي التي تحتفظ بعلاقات اقتصادية قوية مع مصر وتعتمد على الإستيراد منها، ويمكن أن يتم تسهيل المعاملات التجارية وتحويلها بشكل أكثر فاعلية إذا تم تدويل الجنيه المصري، إضافة إلى الدول الأفريقية حيث تعتبر مصر بوابة للتجارة مع القارة الإفريقية، ويمكن للدول الأفريقية الإستفادة من تدويل الجنيه المصري لتسهيل التعاملات التجارية.
وأشار لإيجابيات هذه الفكرة إذا ما تم العمل على تطبيقها، إذ أنه من الممكن أن تُساهم في عزل الاقتصاد المصري عن الصدمات الاقتصادية العالمية عن طريق تحسين التجارة الخارجية، حيث يمكن للشركات المصرية التجارة بشكل أكثر فعالية مع الشركات الأجنبية، و يمكن للشركات المصرية استخدام الجنيه في التعاملات التجارية بدلًا من العملات الأجنبية، مما يُقلل من تأثير الصدمات الاقتصادية العالمية على التجارة الخارجية لمصر، كما ستكون البنوك المصرية أكثر قدرة على تمويل المشاريع المحلية الكبرى التي تتضمن مكون بالعملة الاجنبية، حيث يمكن للبنوك استخدام الجنيه في تمويل المشروعات بدلًا من الإعتماد على العُملات الأجنبية، وهو ما يُزيد من قدرة الاقتصاد المصري على تحمل الصدمات الاقتصادية العالمية.
بينما يرى الدكتور أحمد سمير الخبير الإقتصادي، أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين ضخم جدًّا، وبالتالي اتفاقية مبادلة العُملات واعتماد الجنيه كعُملة للتبادل ستجعل المستوردين يتخلون عن الدولار تدريجيًا، خاصة إذا ما فُتح الباب بشكل أكبر أمام المستوردين للعمل بالجنيه وباليوان الصيني، وأن المستوردين المصريين يسعون لتفعيل تلك الإتفاقيات ويجب تشجيعها وتعميمها مع شركاء تجاريين آخرين مثل السعودية وتركيا والهند، حيث أن الشركات الصينية وافقت على التعامل باليوان بدلًا من الدولار، وأن ذلك التعامل يلغي الاعتماد على تقييم سعر العُملة الصينية “اليوان” وفقًا للدولار، لكن يتم التقييم وفقًا لسعر صرف اليوان أمام الجنيه.
وأشار "سمير"، أن استمرار الزيارات الخارجية الأخيرة للسياسة المصرية إلى الصين الهند وروسيا قد أسفرت عن نتائج ايجابية في هذا الإتجاه، إذ أن البنوك الهندية تدرس اعتماد الجنيه المصري وإدراجه ضمن العُملات التي سيتم تحديد سعر صرفها أمام الروبية، ليصبح ضمن العُملات القابلة للتداول والتبادل التجاري بين البلدين، مع توجه الحكومة المصرية في اتخاذ إجراءات اعتماد الروبية الهندية كعُملة اختيارية في تسوية المُعاملات التجارية مع الهند، وهو ما يسمح لرجال الأعمال المصريين والهنود بالتعامل بالروبية والجنيه المصري دون الدولار.
مشيرًا، أن البنك المركزي الروسي أيضًا كشف عن توسيع قائمة العُملات التي يُحددها ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل، لتشمل الجنيه المصري إلى جانب 8 عملات، هم "الدرهم الإماراتي، الريـال القطري، البات التايلندي، والدونج الڤيتنامي، و الدينار الصربي، والدولار النيوزيلندي، واللاري الجورجي، والروبية الإندونيسية".
كما يدرس بنك الشعب الصيني، اعتماد الجنيه المصري وإدراجه ضمن العملات التي سيتم تحديد سعر صرفها أمام اليوان الصيني، ليصبح ضمن العملات القابلة للتداول، ويقدر حجم التبادل التجاري بين مصر والصين 13 مليار دولار، وعليه فإن خطوة استخدام الجنيه المصري كعُملة في العديد من الاتفاقيات يدعم ويقوي مركز الجنيه ويفقد الدولار سطوته وقوته ويضعف تأثيره في الاقتصاد المصري، والذي عانى من عدم استقرار سعر الصرف، علاوة على المُطالبات المستمرة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بخفض قيمة الجنيه، مما أثر على الوضع الإقتصادي في مصر، علمًا بأن مصر تعاني عجزًا في توفير الدولار منذ ما يقرب من 6 أشهر.
من جانبه أجزم الدكتور هاني جنينة الخبير الإقتصادي، على استحالة تطبيق هذه الفكرة في الوقت الراهن نظرًا لحجم التجارة الخارجية لمصر وضعف اقتصادها ، مؤكدًا أن عدد العُملات المُدولة عالميًا يبلغ 5 عُملات فقط، بالرغم من أن هناك دولًا يفوق اقتصادها الإقتصاد المصري ومع ذلك فإن عُملاتها غير مُتداولة دوليًا مثل كوريا الجنوبية والتي يناهز حجم اقتصادها الـ 2 تريليون دولار، في الوقت الذي يقارب فيه حجم الاقتصاد المصري 400 مليار دولار ، ومع ذلك فإن الوون الكوري غير متداول عالميًا.
وأضاف ، لتدويل العُملة يجب أن يكون هناك حجم اقتصاد مرتفع جدًا بالنسبة للاقتصاد العالمي، إضافة لحجم التجارة الخارجية كسلع وخدمات يجب أن تكون مُرتفعة ومناسبة لحجم التجارة العالمية.
ونوه "جنينة"، من الضروري أن يكون مسموح بتداول تلك العُملة والسماح لها بالدخول والخروج للأغراض الرأسمالية والإستثمار، علمًا بأن هناك دولًا لا تسمح بذلك.
ويرى، أنه بناءًا على كل تلك المُعطيات فمن المستحيل أن يتم تداول العُملة المصرية عالميًا لعدم توافر كل ما سبق.