د. محمد أبو أحمد

الطريقة الألمانية في الإبادة الجماعية ..

الأربعاء 08 يناير 2025 -10:39
الأرض والذاكرة لا يزالان شاهدين حتى يومنا هذا على أول إبادة جماعية شهدها القرن ال 20 قام بها الإستعمار الألماني بحق شعبي الهيريرو والناما، اللذين يسكنان دولة ناميبيا أقصى جنوبي غربي أفريقيا.

قبل مئة سنة، شدد الاستعمار الألماني حكمه القاسي على ناميبيا، وكانت عمليات القتل على نطاق واسع جزءًا من حملة العقاب الجماعي الألمانية بين عامي 1904 و1908، والتي تُعرف اليوم بأنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين، ولكن قصة الاستعمار الألماني بدأت قبل 3 عقود من تلك الحقبة الدامية.

‏إن دعم ألمانيا للإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هو من أكثر المواقف إثارة للاشمئزاز، حيث أنها لا تخجل أبدا عن الاستمرار في ذلك ومنح آلة القتل الصهيونية كافة المبررات في الإستمرار بها، أضف إلى ذلك الاتهامات الجاهزة بمعاداة السامية لكل من يرفض الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني..

وفي هذا السياق طرح البروفيسور جيسون هيكل رؤية بحثية بررت ذلك الموقف الألماني المتحيز ضد الحقوق الفلسطينية.

ولمن لا يعرف جيسون هيكل فهو مؤلف وأستاذ في معهد العلوم والتكنولوجيا البيئية (ICTA-UAB) في جامعة برشلونة المستقلة.

وهو أيضًا أستاذ زائر في المعهد الدولي لعدم المساواة في كلية لندن للاقتصاد، وزميل الجمعية الملكية للفنون.

ويشغل منصب عضو في المائدة المستديرة للمناخ والاقتصاد الكلي التابعة للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، والمجلس الاستشاري للصفقة الخضراء الجديدة لأوروبا، ولجنة رودني للتعويضات وعدالة إعادة التوزيع، ولجنة لانسيت للصحة المستدامة..

وفي رؤيته البحثية يقول عندما تفهم أوجه التشابه المذهلة مع أول إبادة جماعية نفذتها ألمانيا، ضد شعب هيريرو وناما في ناميبيا، سترى انها تتشابه إلى حد كبير من ما ترتكبه آلة القتل الصهيونية.

ويضيف استعمرت ألمانيا ناميبيا في أواخر القرن التاسع عشر وبدأت في الاستيلاء على الأراضي من هيريرو وناما، مما أجبرهم على الاجتجاج، على المحتل الألماني الذي اساء معاملتهم وقتلهم، وإنشاء مستوطنات على أراضيهم - تماما كما كانت إسرائيل تفعل مع الفلسطينيين لأجيال.

في عام 1904، حمل شعب هيريرو وناما السلاح وتمردا على مستعمريهما.

في هذه العملية قتلوا أكثر من 100 محتل ألماني.

وانتقمت ألمانيا، التي غضبت بشدة من أصحاب الأرض و من المقاومة من قبل شعب مضطهد اعتبروه أدنى عرقيا، بعنف الإبادة الجماعية الساحق.

لقد ذبحوا المتمردين وقطعوا الناس عن الغذاء والماء والإمدادات الأساسية، مما تسبب في وفاة جماعية من الجوع والجفاف .

في المرحلة الثانية من الإبادة الجماعية، أجبروا الناس على الدخول إلى معسكرات الاعتقال حيث توفيت الأغلبية بسبب الأمراض وسوء المعاملة.

اغتصب الجنود الألمان بشكل روتيني ومنهجي النساء والأطفال في المخيمات.

استخدم الألمان التمرد، وموت المستوطنين، لإثارة الغضب الشعبي من "الهمجين العنيفين" لتجريد الناس من إنسانيتهم، وتبرير الإبادة الجماعية، وتسريع خططهم لتطهير المنطقة عرقيا.

بشكل عام، قتل الألمان ما بين 34000 و110،000 شخص خلال الإبادة الجماعية.

وتحمل هذه الأحداث أوجه تشابه صارخة مع الوحشية الإسرائيلية.

يؤدي تاريخ طويل من الاستعمار والتطهير العرقي إلى ثورة من المحتلين ويستجيب المستعمرون بعنف ساحق غير متناسب لتدمير المجتمع وتسريع التطهير العرقي.

حدث نفس النمط مرارا وتكرارا خلال الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية.

سرق المستعمرون أراضي السكان الأصليين وقطعوا الناس عن وسائل البقاء على قيد الحياة؛ وكان السكان الأصليون يقاومون وأحيانا في هذه العملية يقتلون المستوطنين؛ وتستغل الدولة الاستعمارية، تلك الأحداث لاثارة عاصفة من الغضب بما يكفي لتوفير الدعم الشعبي لعنف الإبادة الجماعية والمزيد من التطهير العرقي.

ان الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي هي تعبير معاصر عن نفس العنف الاستعماري، مع نفس الأسس الأيديولوجية.

ولاحقا وبعد عشرات السنين اعتذرت ألمانيا رسميا عن الإبادة الجماعية لهيريرو وناما.

و إذا كان لديهم أي شظية من النزاهة الأخلاقية، فإنهم الآن سيزيلون الدعم اللامتناهي عن إسرائيل ويفعلون كل ما في وسعهم لوقف هجومها على الشعب الفلسطيني، ولكنهم لن يفعلوا ذلك على ما يبدوا على الأقل في الوقت الحالي ، وهو ما يؤشر على أن الأفكار  للدول الاستعمارية دائماً ما تتشابه وتثبت أن 
​​الصهيونية إيدولوجية قائمة على الإبادة ولن تتوقف إلا بنهايتها..