قد تواجة مراحل في حياتك إما ان تعيش عزيزاً وإما تكون ذليلاً، وقد يكون ثمن الاختيار هو حياتك ومستقبلك..
ولعل ما يحدث الآن في غزة أوضح مثال على ذلك.. فالعدوان الصهيوني المستمر على الأراضي الفلسطينية لكسر وإذلال الإنسان الفلسطيني وإجباره على الاستسلام ، عبر سياسات القتل الجماعي والقصف العشوائي والتجويع ، ولكن وبرغم من القوة المفرطة والدعم اللامتناهي من البعيد والقريب لدولة الإحتلال إلا أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم حتى الآن..
فمازال الفلسطينيون يقاومون ويتشبسون بالحياة وبمستقبل افضل لمن سيبقي من ابنائهم.
ورغم الخسائر الفادحة في الأرواح والتي تناهز ال 34 الف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والدمار الشامل لقطاع غزة إلا أن بروز القضية الفلسطينية وتصدرها الأحداث العالمية قد يكون بداية لإيجاد حلول جذرية لإعادة إحياء الدولة الفلسطينية من جديد.
ويمكن للمتعمق فى دراسة الأحداث الحالية وتأثيراتها المتوقعة أن يجزم أن الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية يمكن أن يكون أعظم كلمة "لا" في التاريخ المعاصر ، حيث خرج ملايين الطلاب في أكثر من 40 جامعة أمريكية ليقولوا.. لا للحرب على غزة .. لا ل الإبادة الجماعية في قطاع غزة ، لا للاستيطان ، لا لعنف المستوطنين في الأرضى الفلسطينية، لا للدعم الغربي ل آلة الحرب الصهيونية..
تلك التظاهرات والاعتصامات وما تبعها من ردود فعل من قبل الشرطة الأمريكية من عنف ضد الطلاب، كانت بمثابة الشرارة الأولى لتحرير الشعوب الغربية من براثن اللوبي الصهيوني المستمر في تزوير التاريخ والأحداث..
ذلك الحراك الطلابي الذي ينتقل من أمريكا الي باقي الدول الغربية من شأنه أن يعمل على إيقاظ ضمير الشعوب وتحريرها من التهمة الجاهزة ب "معاداة السامية" والتي تطلق على كل من يعارض السياسات الإسرائيلية.
فتلك الشعوب الغربية لم تعتاد على الذل والانكسار والقهر، ولذلك فهي حينما ستتذوقه وتشاهد الشرطة الأمريكية وهي تفض المظاهرات الطلابية وما يتعرض له الطلبه من اعتداءات، ستفهم وتشعر بحجم الظلم الواقع على الإنسان الفلسطيني، وهو ما سيدفعها للثورة ورفض تهمة معادة السامية المزعومة، ويكون ذلك بمثابة أعظم كلمة " لا " في تاريخ أمريكا المعاصر ..
قد يرى البعض أنني أبالغ في تأثير تلك التظاهرات الطلابية سواء حالياً أو مستقبلاً ولهؤلاء أقول أن من يقرأ التاريخ يستطيع أن يتأكد أن التغييرات الكبرى بدأت بتغييرات صغري قام بها قلة من البشر كانت لديهم الشجاعة على الوقوف ضد الظلم و الاستبسال في الدفاع عن معتقداتهم، والصبر والصمود أمام الطغيان.
وتذكرنا تلك المواقف بما قامت به المناضلة "روز باركس" تلك المرأة السواء التي قالت أشهر كلمة "لا" في تاريخ أمريكا.
هذه الـ (لا) التي قالتها إمرأة سوداء حرة في وجه رجل أبيض عنصري كانت سبب في تغييرات سياسية وديموغرافية لم يتوقع أحد في حينها أن تحدث ..
حيث كانت «روزا باركس» تعيش في ذلك الزمن الذي يُكتب فيه على واجهات بعض المطاعم عبارة (يُمنع دخول السود).. وفي الحافلات العامة حين يأتي رجل أبيض ولا يجد مقعداً فارغاً.. يتجه إلى أحد السود ليقوم من مكانه ويجلس بدلا ً منه!..
كانت «روزا» تشعر بالقهر من هذا المشهد وفي ليلة من ليالي ديسمبر الباردة ـ ليلة الخميس 1 ديسمبر ـ من عام 1955م وبعد ساعات من العمل المضني في محل الخياطة خرجت «روزا باركس» إلى موقف الحافلات لتتجه إلى منزلها.
صعدت إلى الحافلة التي لم تمتلئ بعد بالركاب، جلست على أقرب كرسي وجدته وبعد محطتين أو ثلاث امتلأت الحافلة .. أتى أحد الركاب البيض .. تلفت حوله.. لم يجد أي كرسي فارغ .. و – كالعادة – اتجه صوب إمرأة سوداء – روزا باركس – وطالبها بالنهوض من مكانها ليجلس بدلا ً منها .. ولحظتها قالت (لاءها) العظيمة .
صرخ جميع الركاب البيض في وجهها وشتموها وهددوها .. قالت: لا.. توقف سائق الحافلة وطالبها بالنهوض من مكانها .. قالت: لا..
اتجه السائق إلى أقرب مركز شرطة، و حُقق معها، وغرمت 15 دولارا ً نظير تعديها على حقوق البيض !!! من هذه الـ (لا) أشتعلت لاءات السود في كل الولايات ، وتضامناً مع «روزا باركس» بدأت حملة لمقاطعة كل وسائل المواصلات واستمرت حالة الغليان والرفض، وامتدت لنحو (381) يوما إلى أن حكمت إحدى المحاكم لـ «روزا باركس» وتم إلغاء الكثير من الأعراف والقوانين العنصرية .
من خلال هذه الـ ( لا ) الرائعة الحرة تغيّرت أوضاع السود ..
من خلال هذه الـ ( لا) أستطاعت هذه المرأة أن تحافظ على (مقعد) في حافلة صغيرة، لتستمر حركة الحقوق المدنية حتى تم إلغاء كافة قوانين التمييز العنصري..
في أكتوبر عام 2005م توفيت «روزا باركس» عن عمر يناهز 92 عاما، وكرّمت بأن رقد جثمانها بأحد مباني الكونغرس في إجراء لم يحظ به سوى (30) شخصا منذ عام 1852م ..
وفي حياتها مُنحت أعلى الأوسمة .. ولكنها – قبل هذا – منحت نفسها الوسام الذي لا يستطيع أي أحد أن يمنحه لك.. سواك : وسام الحرية .. عندما قالت (لاءها) الحرة العظيمة .