سنوات عاشها طلاب الثانوية العامة من التخبط والازدواجية فى التقييم واختلال المعايير، سنوات كثيرة من التجهيل والتهويل، بل من القهر النفسى والتعليمي.
سنوات كثيرة من التجارب، تصيب مرة وتخيب مرات، والضحية كانت دائمًا أبناءنا الطلاب.
حتى أصبح البيت الذى يحوى بين جدرانه طالب ثانوية عامة، بيتًا للرعب والخوف والترقب وكأنه تحت سقفه قنبلة موقوتة.
بداية من الدروس الخصوصية التى تبدأ فى نزيف موارد الأسرة المالية بلا رحمة ولا هوادة، حتى أصبحت تلك الدروس تجارة رابحة تدر ملايين الجنيهات على أصحاب السناتر التعليمية ومدرسي الصدفة والفهلوة، ولكم أن تتخيلوا حجم ما يتحصل عليه هؤلاء من أموال، حتى أن أحد أباطرة المدروسة الخصوصية أهدى أحدهم أحد طلابه المتفوقين هذا العام سيارة فارهة تقدر بالمليون والنصف جنيه .
ونهاية بأسئلة الامتحانات التي دائمًا ما تحتوى على أسئلة تعجيزية، بل إن هذا العام جاءت أسئلة بعض المواد مضحكة ومخجلة فى الوقت نفسه، حتى إن خبراء المواد أنفسهم حاروا فى الإجابة عليها، هذا بالإضافة إلى بعض الأسئلة التى تحتمل أكثر من إجابة والكثير من المثالب التى دائمًا لا تخلو منها امتحانات الثانوية العامة.
من تسريب الأسئلة تارة، وتارة أخرى من عمليات الغش الجماعي سواء بواسطة مايعرف "بالسماعات" أو مايعرف بلجان أولاد الأكابر وغيرها من الخروقات والحيل التى تفاجئنا كل عام، ناهيك عن الأخطاء فى التصحيح وحصر الدرجات والأمثلة على ذلك كثيرة، وكم شاهدنا طلابًا من المتفوقين على مدار أعوام الدراسة وكانت نتائجهم فى الثانوية العامة مخيبة لآمالهم من قمة التفوق لقمة التدنى فى الدرجات!!
إلى أن حصل الكثير منهم لدرجة "صفر" حتى أصبح هذا الأمر ظاهرة كل عام.
لكن جاء الوزير الحالى، ليعلن عن نفسه ويثبت أن هناك فرقًا بين من مارس العمل التعليمى عن خبرة ومن نزل فوق سطح الوزارة "ببراشوط".
هذا الوزير الذى عايش معاناة الطلاب وأسرهم جاء ليخفف عنهم هم الحشو فى المناهج والمقررات، جاء هذا الوزير ليقول كفى لبعبع الثانوية العامة، وإن كنا ننتظر منه المزيد من التطوير والتحديث في المناهج حتى تصبح تلك المناهج أكثر عملية وإفادة بدلًا من كونها مناهج صماء روتينية بعيدة عن الواقع وما شمله من تطور وحداثة متلاحقة.
ورغم أننى كنت من أوائل المهاجمين للوزير الحالى لما ثار من لغط حول مؤهلاته العلمية، إلا أننى الآن أيقنت حقًّا أن التعليم "فى الرأس مش في الكراس" .
وما أثار إعجابى وتقديرى لهذا الوزير، هو جراءته فى تعديل نتيجة القسم العلمى، حينما وجد خطأ استوجب التعديل لم يتوانى لحظة واحدة ولم يرهبه نقدًا ولم يخشَ ممن يتصيد له الأخطاء، فحاز على احترام الجميع ليفاجئنا أيضًا بإصداره قرارًا بتعديل مناهج الثانوية العامة بما يصب فى مصلحة العملية التعليمية ذاتها قبل مصلحة الطالب.
ولكن يبق لنا كلمة وبعض التساؤلات التى تفرض نفسها ومنها: هل هذا التعديل سيسرى على الطلاب الراسبين هذا العام؟؟؟ وإن كان كذلك فما موقف الطالب الراسب فى بعض المواد وناجح فى اللغة الأجنبية الأولى؟؟ والتى تعدل مجموعها من 50 درجة لتصبح 60 درجة؟؟ إذن أصبح هناك عشرة درجات فرق ستضاف للمجموع الكلى لم تكن فى المجموع الكلى الذى امتحن على أساسه فى السنة الماضية، فهل ستضاف الـ 10 درجات بشكل تلقائى إلى مجموعه فى العام المقبل؟ وماذا عن الطالب الذى رسب فى 3 مواد منهم مادة الجيولوجيا، هل مع إلغاء هذه المادة ليصبح الطالب ناجحًا ويدخل الدور الثانى لهذا العام؟
وماذا عن الطالب الذى حصل هذا العام على درجات عالية فى مادة الفرنساوى التى تم إلغاؤها؟؟ ورسب فى بعض المواد؟؟ وأعاد السنة هل سيخصم منه درجات تلك الماده العام المقبل أم ماذا؟؟؟
والأسئلة نفسها تنطبق على باقى أقسام الثانوية العامة.. وهناك الكثير من التساؤلات التى تحتاج إلى توضيح لم يبينها قرار معالى الوزير، ونريد من سيادتة الإجابة عليها وتوضيحها.
وأخيرًا لا يسعنا فى هذا المقام الا الثناء على قرارات سيادته، ونشد على يديه ونريد من سيادته مزيدًا من التطوير والتحديث لينير للثانوية العامة الطريق لتبصر من جديد.