في عالم يتسابق نحو المستقبل، وتُقاس فيه قيمة الدول بقدرتها على الابتكار، تبقى قصة المخترع المصري معقدة ومؤلمة: أفكار تُولد بإبداع، ثم تتعثر في الطريق، ليس بسبب ضعفها، بل بسبب بيئة تفتقر للاحتضان. لكن رغم هذا الواقع، بدأت ملامح أمل تظهر، تنادي بضرورة التغيير، وتراهن على الطاقات التي لم تنطفئ بعد.
اختراعات مصرية في مهب التجاهل ...
من روبوتات تستخرج الماء من الهواء في الصحراء، إلى أنظمة توليد الطاقة النظيفة من الماء والنفايات، تتوالى المشاريع التي يطوّرها شباب مصريون بجهد ذاتي وبحث علمي حقيقي. تُبهر تلك المشاريع المحافل الدولية وتحصل على براءات اختراع، لكنها كثيرًا ما تصطدم بجدار من الصمت البيروقراطي داخل الوطن. قصص كثيرة تتكرر: شاب يبتكر نظامًا لتحويل الرطوبة إلى مياه صالحة للاستخدام في المناطق القاحلة، يُحتفى به في الإعلام الأجنبي، بينما لا يجد في بلاده منصة واحدة تحتضنه. آخر يطوّر نظامًا لاستخلاص الهيدروجين من الماء، ويُقابل بالتحذيرات بدلاً من التشجيع.
ورغم هذا الواقع الصعب، لا يمكن إنكار وجود مبادرات بدأت تضيء الطريق. ظهرت مؤخرًا حاضنات أعمال تابعة للجامعات، ومراكز ابتكار مدعومة من الدولة، مثل "مركز الابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال" و"برنامج دعم المشروعات التكنولوجية المبتكرة (ITAC)"، التي تهدف لربط البحث العلمي بالصناعة. كما بدأت بعض الجهات الخاصة تطلق مسابقات لدعم الابتكار بين طلاب الجامعات، مع جوائز تمويلية وفرص للتدريب. هي خطوات ما زالت متواضعة، لكنها تمثل بداية يجب البناء عليها، وتوسيعها، وتحريرها من الروتين.
ما يحتاجه المبتكر ليس المال فقط، بل الأمل...
قال أحد المخترعين: "أنا مش محتاج تمويل.. محتاج بس حد يسمعني." هذا الصوت يجب أن يُسمع، ويجد من يصغي إليه في الوزارات، الإعلام، والقطاع الخاص. فالدعم الحقيقي لا يبدأ بالمال، بل بالثقة في الفكرة، والإيمان بالعقول الشابة، وحين نترك المبدعين يهاجرون أو يصمتون، نخسرهم مرتين: مرة حين يغادرون، ومرة حين نشتري لاحقًا منتجاتهم من الخارج.النهضة لا تُستورد، بل تُبنى من الداخل، من مدارس تؤمن بالعلم، وجامعات تربط البحث بسوق العمل، وإعلام يحتفي بالفكرة لا بالنجومية المؤقتة.
فرصة جديدة لم تُغلق بعد...
رغم الألم، لا تزال الفرصة قائمة. مصر لا ينقصها الموهوبون، بل تحتاج إلى من يؤمن بهم، يدعمهم، ويمنحهم المساحة ليتنفسوا. المستقبل لا يُصنع بالبيروقراطية، بل بالجرأة، والرؤية، والإرادة. وإذا بدأت مصر بالفعل في تحويل هذه المبادرات إلى سياسات وطنية شاملة، فإن المبتكر المصري لن يحتاج للهجرة أو للنداء في الفراغ... بل سيجد وطنًا يسمعه، ويحتضنه.